الأحد، 14 يوليو 2013

موضوع علمي مفصل حول الأشعة الكونية


الأشعة الكونية جسيماتٌ عالية الطاقة، منشؤها الفضاء الخارجي. ويعتقد العلماء أن هذه الأشعة تملأ درب اللبّانة (اسم المجرة التي ننتمي إليها وتسمى أيضًا درب التّبانة)، وكذا المَجَرات الأخرى. وتتكون الأشعة الكونية من جسيمات تحت ذرية تحمل شحنة كهربائية، تمامًا مثل البروتونات والإلكترونات ونوى الذرات. وتتحرك هذه الجسيمات في الفضاء الخارجيّ بما يقارب سرعة الضوء ومقدارها 299,792كم/ث.
يقيس الفيزيائيون طاقة الأشعة الكونية بوحدات تُسمًّى إلكترونفولت (إف). وتتراوح طاقة معظم الأشعة الكونية بين بضعة ملايين إلكترونفولت (ماف) وبضعة بلايين إلكترونفولت (جاف).
والواقع أنَّ بليون إلكترونفولت تضيء مصباح بطارية لمدة جزء من مائة مليون جزءٍ من الثانية تقريبًا. إلا أنَّ بروتون أشعة كونية له هذه الطاقة، يستطيع أن يخترق صفيحةً من الحديد سمكها نحو 60سم.
تنشأ الأشعة الكونية من مصادر عديدة في الفضاء. ويعتقد العلماء أنَّ النجوم المنفجرة المسماةالسوبرنوفا، والنجوم عالية الكثافة المسماةالمنبضات، تنتج كمياتٍ كبيرةً من الأشعة الكونية.كما أن بعض الأشعة الكونية تنتجها الشمس. لكنَّ الأشعة الكونية ذات الطاقة العالية جدًّا هي فقط التي تستطيع اختراق الغلاف الجويّ للأرض، وأقل من واحد في المليون من الأشعة المُخْتَرقة هو الذي يصل إلى سطح الأرض دون أن يصطدم بذرة في الهواء. وتؤدي هذه التصادمات إلى تحطيم كلٍّ من الشعاع الكونيّ والذرة، مولدًا فيضًا من الجسيمات تحت الذرية ذات الطاقة العالية. تصل بعض هذه الجسيمات بالفعل إلى سطح الأرض، بل إن منها ما يخترق الأرض إلى عمقٍ كبير. يطلق على الأشعة الكونية التي تتولد في الفضاء الخارجي اسمالأشعة الكونية الأولية، بينما يُطلق على الفيض المتولِّد في الغلاف الجويّ اسمالأشعة الكونية الثانوية.
ويهتم العلماء بدراسة الأشعة الكونية، لأنها تمدُّنا بعينة من مادة انتقلت عبر الفضاء لملايين من السنين الضوئية. والسنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في سنةٍ واحدة، وهي تقريبًا 9,46 تريليون كم. ولقد أتاحت أبحاث الأشعة الكونية للعلماء أن يعرفوا الكثير عن الظروف الفيزيائية في المناطق البعيدة عن المجموعة الشمسية.

الأشعة الكونية الأولية

وتسمى أيضًاالأوليات. وهناك نوعان من الأوليات هما المجرية والشمسية.

الأشعة الكونية المجرِّية. وتأتي هذه الأشعة من خارج المجموعة الشمسية، وهي تُشِّكل معظم الأوليَّات. في أثناء فترات خمول الشمس، يسقط في المتوسط شعاعٌ كونيُّ مجرِّيُّ واحد على كل سنتيمتر مربع من السطح الخارجيّ للغلاف الجويّ في الثانية.
تتكوَّن الأشعة الكونية المجرية من نوى الذرات بنسبة 98%، والنسبة الباقية وهي 2% مكونة منإلكتروناتوبوزيترونات، وهي إلكترونات تحمل شحنة موجبة. أما النوى، فمنها البروتونات (نوى الهيدروجين) بنسبة 87% تقريبًا، ومنها نوى الهيليوم بنسبة 12%، والباقي هي نوى كل العناصر الأثقل من الهيليوم.
يعتقد الفيزيائيون أنَّ معظم الأشعة الكونية اكتسبت طاقتها العالية نتيجة لتسارعها بسبب موجاتٍ صدميةٍ صادرة عن السوبرونوفا (فائق الاستعار) أو بسبب وجود مجالات مغنطيسية قوية حول النابضات. ويمكن أيضًا للأشعة الكونية المَجَريَّة أن تكتسب طاقةً نتيجةً لتصادماتها مع تصدعاتٍ متحركة في المجالات المغنطيسية الواقعة فيالفضاء البيني للنجوم. ويمكن تصوير المجال المغنطيسي على أنه مجموعة خطوط تخيلية للقوة المغنطيسية تمتد في الفراغ حيث تستطيع الجسيمات أن تتحرك بيسر علىخطوط المجال مثلما تتحرك حُبَيبات مسبحة على خيطها، إلا أنَّ الجسيمات تقابل صعوبةً في الانتقال عبر الخطوط. وعندما يتحرك أحد خطوط المجال، تتحول بعض الطاقة الناشئة عن حركته إلى الجسيمات المتحركة عليه.
ومتى تسارعت الأشعة الكونية المجريَّة في مجرتنا، فإنها تظلُّ في المتوسط لمدة عشرة ملايين سنة تنتقل عشوائيَّا في المجالات المغنطيسية للمجرة، ومصيرها في النهاية إمَّا الهروب من المجرة، أو فُقدان سرعتها نتيجةً لتصادمها مع مادة الفراغ البيني للنجوم.
تعمل الرياح الشمسية على منع بعض الأشعة الكونية المجريِّة من دخول المجموعة الشمسية، وتتكون هذه الرياح من ذرات مشحونة كهربائيًّا تنطلق خارجة من الشمس إلى المجموعة الشمسية. يُصاحب الرياح الشمسية مجالٌ مغنطيسيٌّ يمنع كثيرًا من الأشعة الكونية المجريَّة من دخول المجموعة الشمسية. ويصدق هذا، على وجه الخصوص، في فترات النشاط المتزايد على سطح الشمس. ومن ثم، يقلُّ تركيز الأشعة الكونية المجرية بالقرب من الأرض كلما زاد النشاط الشمسيّ، وهذا ما يحدث دوريَّا كل إحدى عشرة سنة فيما يُسمَّىدورة الكلف الشمسي.

الأشعة الكونية الشمسية. وتصدر عن الشمس أثناءالتوهج الشمسيّ. والتوهج الشمسيّ هو فورانٌ على سطح الشمس له مظهر خلاَّب، ويحدث على وجه الخصوص أثناء فترات النشاط العالي في دورة الكلف الشمسيّ. وتكون طاقة الجسيمات المُطْلقة في هذه التوهُّجات في حدود بضع مافات(mev) إلا أنَّ طاقة الجسيمات المطلقة في توهجات كبيرة قد تصل إلى بضع جافات(gev). وأكثر الأشعة الشمسية هي البروتونات، ذلك أنَّ بعضها يتكون من النوى الثقيلة، ويتكوَّن بعضها من الإلكترونات.

جسيمات أخرى ذرية (ذات طاقة عالية) في الفضاء. تصل طاقة بعض الجسيمات المسرَّعة في الغلاف المغنطيسي للأرض إلى بضع مافات. والغلاف المغنطيسي هو منطقة الفضاء التي يشغلها المجال المغنطيسيّ للكوكب. ولكلٍّ من كواكب المشتري وزحل وأورانوس ونبتونْ غلافٌ مغنطيسي تتسارع فيه الجسيمات لطاقة تبلغ عدة مافات، لكن معظم الجسيمات تظل أسيرة الغلاف المغنطيسي للكوكب مكونةً أحزمة من الإشعاع حوله.
كذلك تعمل الموجات الصدمية من الرياح الشمسية على تسارع الجسيمات إلى بضع مافات. تتولد هذه الموجات الصدمية من التوهج الشمسيّ أو من التيارات السريعة في الرياح الشمسية التي تسلك سلوك العاصفات والنفاثات.

الأشعة الكونية الثانوية

الأشعة الكونية الثانوية، أوالثانويَّات، تنتج عن تصادم الأشعة الكونية الأولية بالنّوى الذرية الموجودة في الطبقات العليا من الغلاف الجوي للأرض.
ينشأ عن هذه التصادمات تفتُّت الأوليَّات وتحوُّل جزء من طاقتها إلى جسيمات تحت ذرية. يتصادم عددٌ من الجسيمات الجديدة بالنّوى الأخرى في الغلاف الجويّ منتجةً المزيد من الجسيمات. وتنتج مثل هذه التصادمات المتتالية فيضًا من الثانويات التي تحتوي على كافة أنواع الجسيمات تحت الذرية. وهذه الأشعة الكونية الثانوية توجد بدءًا من أعلى طبقات الجو، وحتى أعمق المناجم في الأرض.
يعمل الغلاف الجويّ على إبطاء الثانويات، وعلى ذلك فلا يصل إلى الأرض إلا نسبة صغيرة. في المتوسط، يصل جسيم واحد إلى كل سنتيمتر مربع من سطح الأرض في الدقيقة. ومعظم هذه الجسيمات جسيمات تحت ذرية تُسَمَّىميونات.
يؤثر المجال المغنطيسيّ للأرض على كثافة الثانويات في الغلاف الجويّ. وخطوط هذا المجال منحنيات من القطب المغنطيسيّ الشماليّ إلى القطب المغنطيسي الجنوبي ولا يستطيع اختراق المجال المغنطيسيّ بالقرب من خط الاستواء إلا الأوليّات ذات الطاقات العالية جدًّا؛ وذلك لأنها تُضطر هناك إلى عبور خطوط المجال. أما عند القطبين، فحتى الأوليات ذات الطاقة المنخفضة تستطيع أن تتحرك على خطوط المجال وتخترق الغلاف الجويّ. وعلى ذلك، فإنَّ كثافة الثانويات تكون أقل ما يمكن عند خط الاستواء، وتتزايد كلما اتجهنا نحو القطبين.

تأثير الأشعة الكونية

مستوى الإشعاع الناتج عن الأشعة الكونية على الأرض أقل بكثير من أن يسبِّب أضرارًا للكائنات الحية. يقيس العلماء جرعة الإشعاع بوحدة تُسَمَّى الراد، وتعتبر الجرعة طويلة المدى التي تزيد على بضعة رادات في السنة غير مأمونة. أما عند مستوى سطح البحر، فإنَّ الجرعة الناتجة عن الأشعة الكونية المجرية تقل عن عشرة رادات في السنة. على أن مستوى الإشعاع في الأحزمة الإشعاعية للأرض يمكن أن يشكِّل خطورةً على رجال الفضاء، كما أنه يضرُّ بالأجهزة. كذلك يحدث إشعاعٌ نتيجة تهيج شمسي شديد في أيّ مكان خارج الغلاف الجويّ. لذلك، يلزم تهيئة سفن الفضاء التي يحتمل تعرضها لمثل هذا الإشعاع بدروع تقيها منه. وتحاول مركبات الفضاء الحاملة للبشر أن تتجنب أحزمة الإشعاع وكذا حالات التوهج الشمسي الشديد.
لقد تعرضت بعض مركبات الفضاء لمشاكل نتيجة لتأثير الأشعة الكونية المجرية على الدوائر الإلكترونية للمركبة. ويستطيع شعاعٌ كونيُّ منفرد نجح في اختراق قطعة صغيرة من دائرة أن يُغيِّر المعلومات المحفوظة على هذه القطعة. ويكاد يكون من المستحيل إيجاد حماية ضد الأشعة الكونية المجرية نظرًا لطاقتها العالية، ولذلك فقد اضطر العلماء والمهندسون إلى تطوير مكوِّنات للدوائر أقل حساسية لتأثيرات الأشعة الكونية.
يأتي أحد التأثيرات المفيدة للأشعة الكونية من تفاعل الثانويات مع نوى النيتروجين في الغلاف الجويّ للأرض. هذا التفاعل يُنتج نوعًا مشعًّا من الكربون يُسمَّىالكربون الإشعاعي. وتقوم الكائنات الحيَّة، باستمرار، بإدماج الكربون، بما في ذلك الكربون الإشعاعيّ، في خلاياها. ونظرًا لأن الكربون الإشعاعي يتحلل بمعدل ثابت، فإن القدر المتبقي منه في المادة الحية يدل العلماء على عمر هذه المادة.

أبحاث الأشعة الكونية



الدراسات الأولى. استعمل العلماء في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي أجهزة تُسمَّىالمناظير الإلكترونية(الكشافات الكهربائية) في دراسة النشاط الإشعاعيّ. وحتى عندما دُرِّعت الأجهزة ضد أكثر الأشعة قوةً، فإنها ظلَّت تسجل وجود نوعٍ مجهولٍ من الإشعاع النافذ. وفي عام 1912م، قام الفيزيائيّ النمساوي فيكتور هِسّ بحمل منظار إلكترونيّ على منطاد، فلاحظ أنَّ الإشعاع يتزايد مع الارتفاع. ومن ذلك، استنتج هس أنه لا بد أن يكون مصدر الإشعاع في الغلاف الجوي أو فيما وراءه. ولقد حصل هس على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1936م لاكتشافه الأشعة الكونية.
ظنَّ الفيزيائيون في البداية أنَّ الأشعة الكونية هي أشعة جاما.  وفي أواخر العشرينيات من القرن العشرين، اكتشف العلماء أنَّ الأشعة الكونية تتأثر بالمجالات المغنطيسية بخلاف أشعة جاما وقد أوضح هذا التأثر أن الأشعة يجب أن تكون جسيمات مشحونة. وفي أواخر الأربعينيات، أوضحت الدراسة الضوئية للأشعة الكونية أنَّ الأوليَّات تتكون أساسًا من نوى الهيدروجين ونوى الهيليوم. وفي خلال الخمسينيات، درس الفيزيائيون تأثيرات الشمس على الأشعة الكونية. وفي عام 1961م، لاحظ هؤلاء الفيزيائيون لأول مرة وجود إلكترونات بين الأوليَّات. ومنذ الستينيات، فإنَّ سفن الفضاء قد مكَّنت العلماء من دراسة الأوليَّات خارج الغلاف الجوي وخارج المجال المغنطيسيّ للأرض.

الأبحاث الراهنة. تتضمن الكثير من بحوث الأشعة الكونية المعاصرة الطبيعة الفيزيائية للنجوم والأجسام الأخرى في المجرات. وإذا ثبت ما يعتقده العلماء من أنَّ الأشعة الكونية تتسارع بفعل السوبرنوفا (فائق الاستعار) والنابضات، فإنه يمكن القول بأن هذه الجسيمات تمثل عيِّناتٍ من المادة الموجودة بالقرب من هذه الأجرام. وكذلك فإن دراسة مثل هذه الأشعة الكونية تساعد العلماء في التعرف على العمليات النووية التي تتم عندما ينفجر نجمسوبرنوفا وعلى الظروف بالقرب من أي نابض. وكذلك، فإنَّ أبحاث الأشعة الكونية تكشف عن الدلائل حول تركيب وتوزيع المادة والمجالات المغنطيسية التي تمر بها الأوليات في الفضاء البيني للنجوم.
ويجري حاليًّا تصميم أجهزة جديدة لإمدادنا بمعلومات أكثر تفصيلاً عن أصل الأشعة الكونية وتسارعها والمدى الذي تصل إليه. وسوف تمكننا هذه الأجهزة أيضًا من الفحص الأدق للتركيب النووي للأوليات المنخفضة الطاقة.
في الماضي كانت الأشعة الكونية الثانوية هي المصدر الوحيد للجسيمات تحت الذرية المستخدمة في الأبحاث. إلا أنَّ الفيزيائيين اكتشفوا خلال الفترة من الثلاثينيات إلى الخمسينيات من القرن العشرين كثيرًا من الجسيمات تحت الذرية بين الثانويات. ويستخدم الفيزيائيون حاليًّا أجهزة تُسمَّىمُعجلات الجسيمات في معظم أبحاث الجسيمات. غير أن دراسة الأشعة الكونية قد تكشف أنواعًا جديدة من جسيمات تحت ذرية توجد فقط عند طاقات أعلى بكثير من تلك التي يمكن للمُعجلات تحقيقها.

0 التعليقات:

إرسال تعليق