الخميس، 4 أبريل 2013

قصة خلق الكون

قصة خلق الكون

بعد أن وضعوا أمتعتهم في إحدى البراري، في رحلة عائلية، كان الجو فيها جميلاً، والسماء صافية، والأرض واسعة، وبها بعض الأشجار، فبعد أن لعب الأطفال وتناول الأبوان وأبناؤهما الغداء، جلسوا ينظرون ويتفكرون في خلق الله، ويقولون سبحان الله، فكانوا يشاهدون السماء والسحاب والجبال وبعض الأشجار، ورأوا أيضا رعاة الإبل والغنم.

وهنا سألت فاطمة أمها
فاطمة: أمي هل خلق الله كل هذا الكون في وقت واحد؟
الأم: لا يا بنيتي إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق في أوقات متفاوتة، وخلق كل مخلوق في مراحل وأطوار متعددة
عائشة: ولماذا يا أمي أليس الله بقادر على خلق الكون في وقت واحد؟
الأم: نعم يا عائشة إنه على كل شيء قدير، ولكن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق في أوقات متفاوتة، وخلق كل مخلوق في مراحل وأطوار متعددة، لتتجلى قدرته، وتظهر دلائل تصرفه وتدبيره
خديجة: ما معنى هذه العبارة "وخلق كل مخلوق في مراحل وأطوار متعددة"
الأم: حسنا يا خديجة، سأعطيك مثلا حتى تفهمي، خلق الله آدم من تراب ثم خلق من ضلعه حواء، ثم خلق أبناءهما من نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم يمر بمراحل مختلفة في بطن أمه وكذلك بعد خروجه، فبهذا تظهر قدرة الله على الخلق والتدبير.
رقية: أميما معنى قوله تعالى: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الذاريات: 49].
الأم: معناها يا بنيتي أن جميع المخلوقات خلقها الله أزواجا: من ذكر وأنثى، سماء وأرض، ليل ونهار، شمس وقمر، بر وبحر، ضياء وظلام، إيمان وكفر، شقاوة وسعادة، جنة ونار، حتى في الحيوانات والنباتات.
هند: أمي عندما أنظر إلى السماء والشمس والقمر والحيوانات وحتى الحشرات أستغرب جدا.
الأم: لماذا يا هند؟ ومن أي شيء تستغربين؟
هند: أمي كل شيء يعرف مكانة، ومتى يخرج، ومتى يذهب، وفي أوقات محددة، ومنظمة، خاصة الليل والنهار، وأيضا الحيوانات تعرف ما ينفعها وما يضرها، وتحمي صغارها وتعطف عليهم، يا أمي من علمهم فنحن نتعلم ونذاكر كي نعرف، أما هذا الحيوان من علمه وهداه.
الأم: أحسنت يا هند أنك تتفكرين في خلق الله فقد أمرنا الله بهذا فقال: ﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُون ﴾ [الروم: 8]أما عن الإجابة على سؤالك فأقول: الله خلق الخلق كله ثم هداه لما يصلحه قال تعالى:﴿ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 50].
إبراهيم: لماذا يا أمي خلق الله السموات والأرض؟
الأم: يا إبراهيم هل تعلم أولًا لماذا خلقك الله؟
إبراهيم: نعم يا أمي خلقني الله لأعبده ولا أشرك به شيئاً.
الأم: أحسنت يا إبراهيم لأجل ذلك خلق الله السموات والأرض لك حتى تعبد الله فيها، فإن الله شرَّف الإنسان حيث سخر له كل شيء السماوات وما فيها والأرض وما عليها، وذلك لكي تعبد الله الذي خلقك ورباك وهداك وخلق لك كل شيء.
فاطمة: أمي ما أول شيء خلقه الله تعالى؟
الأم: بنيتيفي هذه المسألة خلاف بين العلماء، فمنهم من قال القلم ومنهم من قال العرش والماء. وذلك الاختلاف بسبب هذين الحديثين قال: صلى الله عليه وسلم "كتب الله مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وكان عرشه على الماء" رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: "إن أول ما خلق الله القلم، ثم قال له اكتب، فجرى من تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة" رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
وقد جمع بينهما العلماء بأن يحمل حديث القلم على أنه أول المخلوقات من هذا العالم، أي غير العرش والماء.
ورجح كثير من أهل العلم أن العرش والماء هما أول المخلوقات.
عائشة: ما العرش يا أمي؟
الأم: العرش يا بُنيتي هو: سرير الملك، أما عرش الرحمن هو: أعظم المخلوقات حجما وكيفية، وأعلاها منزلة وهو سقف الكون وعليه ذو الجلال والإكرام، والعزة والسلطان، وتحته جنة الفردوس، ومنه تفجر أنهار الجنة، وخلقه الله تعالى بيده، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا سألتم الله الجنة فسلوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة، وأوسط الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر الأنهار".
أما عن شكله وكيفيته فهذا من علم الغيب لا مجال للحس ولا للعقل بالخوض فيه.
وأحب أن أنبهكم أن الله سبحانه وتعالى مستغنٍ عن العرش، ولا يحتاج لشيء، بل الخلق كلهم مفتقرون محتاجين إليه سبحانه.
خديجة: أمي أليس الكرسي هو الذي يجلس عليه الملك؟ وما الفرق بينه وبين العرش؟
الأم: لقد عرفت يا خديجة العرش، أما الكرسي الذي قال تعالى فيه: ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾ [البقرة: 255] هو: موضع القدمين، وهو تحت العرش، وهو أكبر من السماوات والأرض بل قال صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر، ما السموات والأرض إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة"
رقية: سبحان الله إن الكرسي كبير جدا، فهو أكبر من السماوات والأرض.
هند: سبحان الله إن العرش كبير جدا، فهو أكبر من الكرسي بكثير جداً سبحان الله.
إبراهيم: أمي قلت لنا عن العرش وعن الكرسي فماذا عن الماء؟
الأم: حسناً يا إبراهيم، قال تعالى ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾[هود: 7].
الماء يا إبراهيم سر الحياة ومنبعها قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾[الأنبياء: 30]، وقال تعالى﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء ﴾ [النور: 46].
من هذه الآيات نفهم: أن خلق العرش والماء كان قبل الأرض والسماء، ولا يلزم من الماء الذي عليه العرش هو الماء الموجود حاليا.
وأن كل شيء حي خُلق من الماء كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾.
وأن بدون الماء يموت كل شيء الإنسان والنبات والحيوان...، فهذه المخلوقات خلقت من ماء وتحتاج للماء.
إبراهيم: وأين يكون الماء يا أمي؟
الأم: يا إبراهيم الماء موجود في البحار والأنهار، والآبار، والعيون، والسحاب، فهو يا ولدي موجود في السماء والأرض، ومنه المالح الذي في البحر، ومنه العذب الذي في النهر والبئر والعين.


فاطمة: أمي ما القلم الذي خلقه الله تعالى وقال له اكتب؟
الأم: يا بنيتي المقصود بالقلم هنا القلم الذي خلقه الله في بدء الخليقة، وأمره الله سبحانه وتعالى بكتابة مقادير الأشياء، وما هو كائن إلى يوم القيامة، من أحداث، وحياة، وموت، وخلق.

عائشة: أمي هل عملي الذي أقوم به وكلامي معك الآن مكتوب بهذا القلم؟
الأم: نعم يا عائشة كل شي مكتوب به، ما فعلته والذي سوف تفعلينه.

فاطمة: ومتى كتب الله كل هذا يا أمي؟
الأم: سأجيب على سؤالك يا فاطمة بهذا الحديث الذي أخرجه مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء".

فاطمة: سبحان الله قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة يعلم ما سيحصل وما سيكون في هذا الكون كله، إنه هو العليم الخبير.

خديجة: أمي لقد قلت لنا أن الله كتب كل شيء قبل خلق السموات والأرض، فعلى أي شيء كتب هل كان الورق موجوداً؟
الأم: أحسنت يا خديجةأنا أحب الفتاة المنتبهة، والتي تسأل عن الذي يُشكل عليها.

أما جواب ما سألت عنه فسنختبر فاطمة به، وعليها الإجابة ثم الدليل من القرآن.

هيا يا فاطمة أجيبي عن سؤالِ خديجة.

فاطمة: أمي؛ أمر الله سبحانه وتعالى القلم أن يكتبَ في اللوحِ المحفوظ فقال تعالى: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ﴾ [البروج: 22-21]، وقال أيضا: ﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِي* فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ ﴾ [الواقعة: 77-78] والكتابُ المكنونُ هو اللوحُ المحفوظ.

الأم: أحسنتِ يا بنيتي، فكل شيء مكتوبٌ في اللوح المحفوظ فقد قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾ [يس: 12](وإمام مبين) أي كتاب مبين، وقال: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنعام: 38].

رقية: أمي ما معنى اللوح المحفوظ؟
الأم: حبيبتي رقية اللوحُ هو: الشيء الذي يكتبُ فيه، وهو قوي جداً ليس كالورق، وأما المحفوظ: سماهُ الله محفوظاً لأنه محفوظٌ من كل تغييرٍ وتبديلٍ ولا تصلُ إليه الشياطين.

هند: أمي أكيد أن اللوح المحفوظ كبير جداً.

الأم: نعم يا هند فهو كبيرٌ جداً، وهو يدل على قدرةِ الله الباهرة، ولكن يا هند نحن لا نعلم شكلهُ ولا حجمهُ ولا كيفيتهُ فهو من علم الغيب وعلينا التسليم والتصديق والإيمان به، ولا نهتم بهيئته ولكن نهتم بوجوده.

إبراهيم: أمي وأين هذا الكتاب الكبير؟
الأم: إبراهيم أحسنت لأنك منتبه معنا سأجيبك بشرط أن نذهب إلى السيارة مسرعين متعاونين في رفع المتاع حتى ننام مبكراً ونستيقظ مبكراً لنحفظ ونراجع القرآن ونذاكر دروسنا.

إبراهيم: حسنا يا أمي أجيبيني وسوف أطيعك فوراً، فأنا أحب أن يرضى الله عني، وأنت تحبي لي الخير، فسأسمع كلامك.

الأم: بارك الله فيك يا ولدي؛ أما عن مكان اللوح فهو فوق السموات السبع، عند العرش، محفوظ عند الله.

هيا وسنكمل بإذن الله غدا بارك الله فيكم جميعا

 

0 التعليقات:

إرسال تعليق